Page 97 - web
P. 97

‫‪435‬‬  ‫علـــى ســـبيل المثـــال لا الحصـــر‪ ،‬فـــي النظام‬      ‫أن الشـــريعة الإســـامية قـــد تضمنت حقوق‬             ‫كان صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنســـان‬
     ‫الأساســـي للحكـــم‪ ،‬وكذلك نظـــام الإجراءات‬            ‫الإنســـان الأساســـية وحرياته بصـــورة كاملة‪.‬‬         ‫فـــي ‪ 10‬ديســـمبر ‪1948‬م تدشـــي ًنا لمفهـــوم‬
                                                             ‫وأشـــار المؤلف إلى أن ثمـــة تباي ًنا بين حقوق‬        ‫«حقوق الإنسان» ‪ Human Rights‬كمفهوم‬
                                          ‫ا لجز ا ئية ‪.‬‬      ‫الإنســـان فـــي العمـــل الأمنـــي الجنائـــي مـــن‬   ‫محوري علـــى الصعيديـــن المحلـــي والدولي‪،‬‬
     ‫الفرق بيـــن الضبـــط الإداري والضبط الجنائي‬            ‫وجهـــة نظـــر الشـــريعة الإســـامية والمواثيق‬        ‫وقد كان «رينيه كاسان» ‪ René Cassin‬وهو‬
     ‫هـــو‪ :‬أن الأول عمـــل وقائـــي‪ ،‬يتمثـــل فـــي‬         ‫والإعلانـــات الدوليـــة‪ ،‬وذلـــك مـــن خـــال‬         ‫دبلوماســـي فرنســـي‪ ،‬مـــن أوائـــل المفكريـــن‬
     ‫اســـتتباب الأمـــن‪ ،‬والحفـــاظ علـــى النظـــام‬        ‫الأســـاس الـــذي تقـــوم عليـــه تلـــك الحقوق‪،‬‬       ‫الذيـــن حاولـــوا تعريـــف المفهـــوم‪ ،‬وكان لـــه‬
     ‫العـــام‪ ،‬بينما الضبـــط الجنائـــي قمعي‪ ،‬حيث‬           ‫حيـــث تؤسســـها الشـــريعة الإســـامية مـــن‬          ‫إســـهام واضح فـــي صياغة الإعـــان العالمي‬
     ‫يظهـــر دوره إلـــى الوجـــود بعد وقـــوع الجريمة‬       ‫خـــال تكريم الله للإنســـان‪ ،‬أما فـــي القوانين‬       ‫لحقـــوق الإنســـان‪ ،‬ومنـــذ ذلك الوقت شـــهد‬
     ‫مـــن أجـــل ملاحقـــة مرتكبيهـــا‪ ،‬وتقديمهـــم‬         ‫والمواثيـــق الدوليـــة‪ ،‬فهناك اختلاف واســـع‬          ‫مفهـــوم حقـــوق الإنســـان تطـــورات كبيـــرة‪،‬‬
                                                             ‫حـــول تحديـــد هـــذا الأســـاس؛ فهنـــاك مـــن‬       ‫ومـــر بالعديد مـــن المراحل والأجيال‪ ،‬واتســـع‬
                                          ‫للعد ا لة ‪.‬‬        ‫يعزوها إلـــى نظرية القانـــون الطبيعي والفكر‬          ‫المفهوم ليتجاوز الحقوق المادية الملموســـة‬
     ‫هنـــاك حقـــوق قـــد كفلتها أحـــكام الشـــريعة‬        ‫الرومانـــي‪ ،‬وهنـــاك مـــن يعزوهـــا إلـــى نظرية‬     ‫إلـــى الحقوق المعنويـــة‪ ،‬كالحق فـــي الكرامة‬
     ‫الإســـامية‪ ،‬والمواثيق والإعلانـــات الدولية‪،‬‬                                                                  ‫والعيـــش الآمـــن وغيـــر ذلـــك‪ ،‬كمـــا أصبـــح‬
     ‫مقـــررة للمتهـــم فـــي كل مراحـــل الأعمـــال‬                                   ‫العقـــد الاجتماعي‪.‬‬          ‫يتقاطـــع مـــع العديـــد مـــن المجـــالات‪ ،‬ومـــن‬
     ‫الجنائيـــة‪ ،‬ويظهـــر ذلـــك جلًّيـــا فـــي النظـــام‬  ‫وميـــز الباحـــث خلال فصول دراســـته بين عدد‬          ‫التطورات المعاصرة للمفهـــوم‪ ،‬الاهتمام به‬
     ‫الســـعودي‪ ،‬ويتفوق على القوانين والمواثيق‬               ‫مـــن مجـــالات حقـــوق الإنســـان فـــي العمل‬         ‫وتداولـــه فـــي مجـــال العمل الأمنـــي الجنائي‪.‬‬
                                                             ‫الأمنـــي الجنائـــي‪ ،‬فمـــن حيـــث الحـــق الـــذي‬    ‫وعلـــى هـــذا الأســـاس‪ ،‬تأتـــي هـــذه الدراســـة‬
                                        ‫الوضعيـــة‪.‬‬          ‫يـــراد حمايتـــه؛ تتنـــوع هـــذه المجـــالات إلـــى‬  ‫المتمايـــزة والموســـومة بـ «حقوق الإنســـان‬
     ‫كمـــا أن للمجنـــي عليـــه أو الضحيـــة‪ ،‬وكذلك‬         ‫حـــق الإنســـان فـــي حمايـــة حياتـــه‪ ،‬وحقه في‬      ‫فـــي العمـــل الأمنـــي الجنائـــي‪ :‬فـــي ضـــوء‬
     ‫المتضـــررون من العمـــل الأمنـــي الجنائي‪ ،‬أو‬          ‫حريـــة التنقـــل‪ ،‬وعـــدم التعرض لـــه بالقبض‪،‬‬        ‫الأنظمة الســـعودية والمواثيق الدولية» التي‬
     ‫الجريمـــة نفســـها حقو ًقـــا‪ ،‬يظهر مـــن خلالها‬       ‫أو الاســـتيقاف أو الحبـــس‪ ،‬وحقـــه فـــي‬             ‫صدرت ضمن سلســـلة «الدراسات الأمنية»‪،‬‬
     ‫تفـــوق الأنظمة الســـعودية بتفوق الشـــريعة‬            ‫خصوصيـــة حياتـــه الخاصـــة وعـــدم تعريضـــه‬         ‫التي يصدرهـــا مركز البحـــوث الأمنية بجامعة‬
                                                             ‫للتفتيـــش في نفســـه ومســـكنه وممتلكاته‪،‬‬             ‫نايـــف العربيـــة للعلـــوم الأمنيـــة‪ ،‬وتركـــز‬
                    ‫التـــي تســـتمد منهـــا أحكامها‪.‬‬        ‫أو المراقبـــة والتنصـــت عليـــه وغيـــر ذلـــك‪.‬‬      ‫موضوع الدراســـة حـــول حقوق الإنســـان في‬
     ‫تبيـــن للباحـــث أن هناك عـــد ًدا مـــن المصادر‬       ‫وكذلـــك تتنوع مجـــالات حقوق الإنســـان من‬            ‫مجـــال العمـــل الأمنـــي الجنائـــي‪ ،‬مـــن خـــال‬
     ‫التي تشـــكل بـــؤ ًرا لانتهـــاك حقوق الإنســـان‬       ‫حيث أشـــخاصها‪ ،‬ومن حيـــث المراحل الزمنية‬             ‫رؤيـــة تحليليـــة ومنهجية مقارنـــة بين الأنظمة‬
     ‫فـــي العمـــل الأمنـــي الجنائـــي‪ ،‬وتأخـــذ هـــذه‬    ‫التـــي تمر بها الأعمـــال الأمنيـــة الجنائية‪ ،‬إلى‬
     ‫المصـــادر إحـــدى صورتيـــن فـــي الانتهـــاك‪:‬‬         ‫مرحلـــة ما قبـــل حدوث الفعـــل المجرم‪ ،‬وهي‬                        ‫الســـعودية والمواثيـــق الدولية‪.‬‬
     ‫التعســـف فـــي اســـتعمال الحـــق وإســـاءة‬            ‫مرحلـــة التدابيـــر المنعية‪ ،‬وما بعـــد حدوثه في‬      ‫وطـــرح المؤلف خـــال الفصـــل الأول تعري ًفا‬
     ‫اســـتعماله‪ ،‬أو العدوان المجـــرد على من يتأثر‬          ‫مراحـــل الاســـتدلال والتحـــري والتحقيـــق‪ ،‬ثم‬       ‫لمفهـــوم حقوق الإنســـان في مجـــال العمل‬
     ‫بالعمـــل الأمنـــي الجنائـــي وبالقائميـــن عليه‪.‬‬      ‫مرحلـــة المحاكمة ونســـبة الجرم إلـــى المتهم‬         ‫الأمنـــي الجنائـــي مـــؤداه‪ :‬تلـــك الضمانـــات‬
     ‫وبالاســـتناد إلـــى النتائـــج التـــي توصلت لها‬                                                              ‫التـــي يتمتـــع بهـــا كل شـــخص يتـــم اتخـــاذ‬
     ‫هذه الدراســـة وبعد تفســـيرها‪ ،‬أوصى الباحث‬                       ‫أو تبرئتـــه ومـــن ثـــم تنفيـــذ الحكم‪.‬‬    ‫عمـــل جنائـــي ضده أو يمســـه‪ ،‬كالمشـــتبه به‬
                                                             ‫وخلصت الدراســـة إلى عدد مـــن النتائج‪ ،‬لعل‬            ‫فـــي ارتـــكاب جريمـــة‪ ،‬والمتهميـــن‪ ،‬والمجني‬
               ‫بعدد مـــن التوصيات لعـــل أهمها‪:‬‬                                                                    ‫عليهـــم‪ ،‬والمتضرريـــن مـــن أي عمـــل جنائـــي‬
                                                                                                   ‫أهمها‪:‬‬           ‫فـــي أثناء عمليـــة الضبـــط الإداري‪ ،‬أو الضبط‬
     ‫تنظيـــم العمـــل الأمنـــي الجنائـــي فـــي مجال‬       ‫ليـــس للعمـــل الأمنـــي الجنائـــي فـــي مجـــال‬     ‫الجنائـــي‪ ،‬أو التحـــري والاســـتدلال والتحقيق‪،‬‬
     ‫التدابيـــر المنعيـــة‪ ،‬وبلـــورة ضمانـــات حقـــوق‬     ‫التدابير المنعيـــة وجود في الأنظمة المقارنة‪،‬‬
     ‫الإنســـان فيه‪ ،‬ومـــن ثم إنشـــاء أجهـــزة أمنية‬       ‫إلا فـــي حـــدود ضيقـــة‪ ،‬كحـــالات الطـــوارئ‪،‬‬                            ‫أو المحاكمـــة والتنفيـــذ‪.‬‬
     ‫وقضائية متخصصة فـــي هذا المجال‪ ،‬وذلك‬                   ‫وكذلـــك الحال فـــي الأنظمة الســـعودية‪ ،‬مع‬           ‫ولقـــد تضمـــن الكتـــاب معالجـــة تحليليـــة‬
     ‫يشـــكل ضـــرورة ملحة في الوقـــت الراهن من‬             ‫أن نصـــوص الشـــريعة الإســـامية وقواعدها‬             ‫لمفهـــوم حقوق الإنســـان‪ ،‬وأبعـــاده وتطوره‬
     ‫الناحيتيـــن الأمنية والحقوقية على حد ســـواء‪.‬‬                                                                 ‫عبـــر أجيالـــه المختلفـــة‪ ،‬بجانـــب الاهتمـــام‬
     ‫ضرورة مراعاة حقوق الإنســـان مـــن الناحيتين‬                 ‫الكليـــة ومقاصدهـــا الكبرى تقـــر بذلك‪.‬‬         ‫بالمقارنـــة بيـــن رؤيـــة حقـــوق الإنســـان مـــن‬
     ‫الإجرائيـــة والموضوعيـــة فـــي أثنـــاء العمـــل‬      ‫أخـــذ المنظـــم الســـعودي في قضيـــة حقوق‬            ‫خلال الدين الإســـامي‪ ،‬ومـــن خلال المواثيق‬
     ‫الأمنـــي الجنائـــي مـــن قبـــل أجهـــزة العدالـــة‬   ‫الإنســـان بشـــكل عام‪ ،‬وفـــي العمـــل الأمني‬         ‫الدوليـــة‪ ،‬وأكـــد المؤلـــف فـــي هـــذا الســـياق‬
     ‫الجنائيـــة‪ ،‬وخاصـــة الأجهـــزة ذات الطبيعـــة‬         ‫الجنائـــي بشـــكل خـــاص وفـــق مـــا تقتضيـــه‬
                                                             ‫أحـــكام الشـــريعة الإســـامية‪ ،‬ويتجلـــى ذلك‬
                      ‫الرقابيـــة‪ ،‬كالنيابـــة العامـــة‪.‬‬

     ‫‪97‬‬
   92   93   94   95   96   97   98   99   100   101   102